04/07/2020 - 22:18

حوار | المعادلة تغيّرت.. يافا تدير صراعًا وجوديًا لتحرير أوقافها

*الصراع على مقبرة الإسعاف حلقة في المعركة على وقف يافا وفلسطين *اعتبار مقابرنا ومساجدنا وأوقافنا أملاك غائبين هو استخفاف بوجودنا *نعمل على كشف ما خفي من الأوقاف واستعادتها واستغلال عائداتها للصالح العام

حوار | المعادلة تغيّرت.. يافا تدير صراعًا وجوديًا لتحرير أوقافها

معركة على الهوية: سيدة يافيّة خلال إقامة صلاة الجمعة بجوار مقبرة الإسعاف، 12 حزيران (أ ب)

لمحامي محمد دريعي:

  • الصراع على مقبرة الإسعاف حلقة في المعركة على وقف يافا وفلسطين
  • اعتبار مقابرنا ومساجدنا وأوقافنا أملاك غائبين هو استخفاف بوجودنا
  • نعمل على كشف ما خفي من الأوقاف واستعادتها واستغلال عائداتها للصالح العام
  • هناك مبادرات طيبة في حيفا وعكا أيضا ويجب تجديد المعركة القطرية لتحرير الأوقاف

يمثل نضال أهالي يافا للحفاظ على ما تبقى من مقبرة الإسعاف الإسلامية، طرف جبل الجليد في الصراع التاريخي على أوقاف المدينة التي تحتل النسبة الأعلى من الوقف الإسلامي الذي يشكل 1\16 من مساحة فلسطين، والذي جرت مصادرته بادعاء أنه أملاك غائبين بعد انحلال المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان يتولاه قبل النكبة.

وتشكل الأرض التي يدور الصراع حولها مع بلدية تل أبيب - التي تصر على تجريفها بادعاء بناء مركز للمشردين غير آبهة بقدسية المكان - 700 متر مربع بقيت من أصل 20 دونمًا هي مساحة مقبرة الإسعاف، وهي مقبرة يافا القديمة التي يعود تاريخها إلى العهد العثماني، وتقع بمحاذاة دوار الساعة في مركز المدينة.

وتعتبر المساجد والمقابر التي لم تسلم، رغم قدسيتها، من عمليات الانتهاك والسطو الإسرائيلية، جزءا يسيرا فقط من أوقاف يافا الإسلامية التي ما زالت ترفض إسرائيل الكشف عن حجمها ومواقعها، رغم مرور سبعة عقود على النكبة؛ حيث رفضت المحكمة المركزية في تل أبيب عام 2013، التماسَ الهيئة الإسلامية وجمعية يافا لحقوق الإنسان بهذا الخصوص، وسوغت ذلك بأن هذا الكشف من شأنه أن يمس بعلاقات إسرائيل الخارجية.

قوات الشرطة الإسرائيلية تحاول منع أهالي يافا من الوصول إلى مقبرة الإسعاف (أ ب)

من هنا، يمكن أن نستنتج أن المخفي من سطو وانتهاكات لأوقاف يافا غير المعلومة أعظم مما يجري من انتهاكات صارخة لم تسلم منها غالبية مساجدها ومقابرها التي أقيمت على أنقاضها الفنادق والحدائق والبنايات السكنية والتجارية.

ولتسهيل عمليات السطو وسرقة أراضي الأوقاف الإسلامية، قامت إسرائيل بتعيين "لجان أمناء"، وفق ما نص عليه قانون أملاك الغائبين، وقامت باستعمالها كختم مطاطي لتمرير صفقات البيع والسطو التي تمت بتواطؤ قضاة المحاكم الشرعية الذين جُيروا أيضا لنزع القدسية عن الأراضي ذات العلاقة و"تبييض" صفقات البيع الفاسدة التي تمت بأسعار زهيدة ورمزية.

وإن كانت سياسة إسرائيل لم تتغير، فإن الصحوة الوطنية والإسلامية ما عادت تسمح لها بتمرير تلك الصفقات بالسهولة التي جرت في السابق، وبعد سنوات من تأسيس "الهيئة الإسلامية" التي انتزعت فعليا الإشراف على المقابر والمساجد ورعايتها، نجحت الهيئة بعد نضال جماهيري وقانوني متواصل، مطلع هذا العام، بفرض ممثليها في لجنة الوقف الإسلامي ونقل جزء من أملاك الوقف الإسلامي لإدارتها.

وبخلاف الأمس، فإن "لجنة الوقف الإسلامي" تقف اليوم جنبا إلى جنب مع الهيئة الإسلامية على رأس القوى التي تقود معركة الدفاع عن أرض مقبرة الإسعاف وقدسيتها، حيث كان رئيسها، المحامي محمد دريعي، من بين معتقلي مظاهرة الاحتجاج الكبيرة، وبخلاف الأمس، أيضا، فإن رئيس محكمة يافا الشرعية، محمد زبدة، حمل على رئيس بلدية تل أبيب رون حولدائي، الذي يصر على انتهاك المقبرة، ووصفه بالمجرم.

حول الصراع على أرض مقبرة الإسعاف والانتهاكات الإسرائيلية للمقدسات والمعركة المتواصلة لتحرير الأوقاف، كان هذا الحوار مع رئيس لجنة الوقف الإسلامي في يافا، المحامي محمد دريعي (37 عاما).

"عرب 48": نبدأ من القضية الساخنة المتمثلة بمقبرة الإسعاف، أين تقف القضية قضائيا وما هي الخطوات اللاحقة في معركة الدفاع عنها؟

المحامي محمد دريعي

دريعي: لقد استطعنا مؤخرا، كما هو معلوم، استصدار قرار احترازي من المحكمة بوقف أعمال الجرف التي تقوم بها البلدية، حيث كان ادعاؤنا أن رخصة البناء ذات العلاقة غير سارية المفعول، ونحن بانتظار جلسة المحكمة التي ستبحث التماسنا غدا الأحد، وفي حال قبلت المحكمة الالتماس سيحتاج الأمر فترة طويلة لاستصدار رخصة بناء جديدة.

من جهتنا، سنقوم باستغلال هذه الفترة لترتيب أوراقنا على صعيد الحشد الجماهيري والخطوات الميدانية لوقف أعمال الحفر والتجريف، ونحن نلجأ إلى كل السبل القانونية المتوفرة، إلى جانب العمل على المستوى الجماهيري وعلى المستوى البلدي وأملنا كبير بأن ننجح، لأن قضيتنا عادلة وتحظى بالتفاف أهالي يافا وجماهير الداخل الفلسطيني.

"عرب 48": هل هناك أي تغيير في موقف بلدية تل أبيب؟

دريعي: هو ليس موقف بلدية بل موقف رئيس البلدية بشكل خاص، ونحن نسمع من شخصيات من داخل البلدية عن عدم رضاها من تعنت رئيسها، لأنه يؤثر سلبا على علاقة السكان بالبلدية في مختلف نواحي الحياة.

رون حولدائي يعتبر القضية شخصية، حيث تصدر القرارات المرتبطة بالمقبرة من مكتبه، ونعرف أنه أصدر تعليمات بعدم الخضوع لأي ضغط جماهيري مهما كلف الثمن، والحديث عن ثمن مادي أيضا، حيث تصرف ملايين الشواقل على حراسة المقبرة وتطويقها، لمنعنا من الاقتراب منها في فترات الاحتجاج وذلك على مدار بضعة شهر.

هو حاول أن يوحي بأن الموضوع يتعلق ببعض "المسلمين المتطرفين" ونحن أثبتنا له بتكاتف أهالي يافا وانسحاب ممثليها من المجلس البلدي وانضمام نواب في الكنيست من مختلف الأحزاب ولجنة المتابعة إلى نضالاتنا، أن يافا يد واحدة وجماهير شعبنا من خلفها في الدفاع عن وجودنا ومقدساتنا.

"عرب 48": علمنا أن هناك كتلا يهودية دينية تعارض المشروع أيضا؟

دريعي: نعم، هناك كتلتان متدينتان انسحبتا من الائتلاف البلدي احتجاجا على تعنت رئيس البلدية وإصراره على الاستمرار في المشروع رغما عن أهالي يافا.

"عرب 48": ما هي المساحة التي يدور الحديث عنها؟

دريعي: الحديث يدور عن مساحة 700 متر مربع، هي ما تبقى من مقبرة يافا القديمة التي بلغت 20 دونمًا والتي كانت تمتد من دوار الساعة وحتى حدود المقبرة القائمة اليوم، ولكي يكون الأمر واضحا فالبلدية لا تسعى لبناء مركز لإيواء المشردين فقط، بل سيضم البناء بطابقه الأرضي محلات تجارية أيضا.

دوار الساعة (pixabay)

ويبدو أن البلدية تعطي أهمية للمحلات التجارية تلك أكثر من مركز إيواء المشردين، لأنها رفضت اقتراحنا بالاستغناء عن الطابق الأرضي كوسيلة للإبقاء على المقبرة وإقامة المبنى بطابقيه الأول والثاني على جسور مثلما يتم في العديد من المواقع اليوم.

لقد كنا على استعداد لفحص هذا الاقتراح من الناحية الشرعية، ولكن أردنا أن نعرف موقف البلدية قبل القيام بذلك، إلا أن الأخيرة رفضت إجراء أي تغيير على رخصة بناء المشروع.

"عرب 48": طبعا الحديث يدور عن موقع "إستراتيجي" في وسط يافا القديمة؟

دريعي: نعم، هو يبعد 500 مترا عن دوار الساعة وهو جزء يسير مما تبقى من أوقاف يافا التي تم مصادرتها منذ العام 1948 وحتى اليوم، فمقبرة "عبد النبي" التي كانت بمساحة 15 دونمًا أقيم عليها فندق هيلتون وحديقة عامة ولم يبق منها اليوم سوى 2-3 دونم، ومقبرة "يازور" أيضا تم تجريف جزء كبير منها واستطعنا الإبقاء على بعضها، ومقبرة "الجماسين" تم تجريف جزء كبير منها، لكننا استطعنا وقف البناء عليها بعد الكشف عن صفقة بيعها بإذن البلدية و"المنهال"، مقبرة "طاسو" تم بيعها ومحاولة طمسها، ومقبرة سلمة وغيرها وغيرها.

من يافا (وفا)

للأسف هناك مطامع كبيرة بأملاك الوقف والتعامل معها كأنها "سداح مداح"، لدرجة أنني كمسؤول وقف وبعد أن استلمنا ملفات الوقف مجددا، وخلال معاينة الأماكن التي تقع فيها الأوقاف، اكتشفت عقارا وقفيا تم تحويله إلى خمارة، وعندما سألت صاحبة الخمارة عن الثمن الذي دفعته لقاء العقار الوقفي، اكتشفت أنه جرى منحه لها لقاء "كأس من الخمر"، وهذا مثال على مدى استهتارهم بأشيائنا الثمينة، إذا ما أدركنا أن مدينة يافا 40% منها وقف.

"عرب 48": المؤسسة ترفض حتى اليوم الكشف عن حجم وتعداد الأوقاف الإسلامية في يافا متذرعة بذرائع مختلفة..

دريعي: في الـ2013 كان هناك التماس قدمته الهيئة الإسلامية للكشف عن الأوقاف في يافا، إلا أن وزارتي الأمن الداخلي والخارجية رفضتا، وادعيتا أن ذلك من شأنه أن يزعزع السلام في الشرق الوسط ويمس بالعلاقات الخارجية لإسرائيل، وتم الكشف فقط عن الأمور الظاهرة التي نعرفها ورفضوا الكشف عن الأملاك التي استحوذوا عليها.

"عرب 48": لجنة الوقف التي ترأسها لمن تتبع؟

دريعي: رسميا هي "لجنة الأمناء" ذاتها التي تلاعبت بالأوقاف في سنوات السبعينات والثمانينات، بعد أن تم استغلال واستعمال أعضائها الذين كانوا يفتقرون لمستوى تعليمي والتزام ديني وتم تعيينهم من قبل المؤسسة لأجل إنهاء ملف الأوقاف.

عندما شاعت صفقات بيع المقابر والمساجد التي استخدم فيها هؤلاء الأشخاص كـ"ختم مطاطي" لتمريرها، قام أهالي يافا بمقاطعة لجنة الأمناء المعينة وأقاموا الهيئة الإسلامية كجسم مستقل، حاولت الهيئة - بغياب امتلاك صلاحية إدارة الأوقاف - أن تحافظ وترعى المقابر والمساجد، وهي ترعى وتدير فعليا هذه الأوقاف منذ سنة 1986 وحتى اليوم.

من يافا (وفا)

وفي السنوات الأخيرة، ومع تعاظم الوعي لأهمية الوقف والهوية، وبعد صراع ميداني وقضائي دام سنوات، اضطرت الوزارة المعنية (وزارة المالية)، إلى الرضوخ لمطلبنا بتعيين المرشحين الذين يتم تزكيتهم من قبل أهالي يافا أعضاءً في لجنة الوقف (لجنة الأمناء سابقا)، وتولت لجنة الوقف التي أرأسها، ابتداءً من مطلع العام الحالي، شؤون إدارة أوقاف يافا المحررة.

"عرب 48": كنت سابقا رئيسا للهيئة الإسلامية وتمت تزكيتك وسائر الأعضاء من قبل الهيئة الإسلامية لإشغال مقاعد لجنة الوقف؟

دريعي: نعم، وهذه سابقة لأنه لا يوجد أي لجنة أمناء بالداخل الفلسطيني تم تعيين أعضائها بهذا الشكل، فنحن فرضنا أنفسنا على الوزارة التي اضطرت لذلك بعد أن أيقنت أن الذهاب إلى التماسات ومحاكم سيكشف عن الكثير من الفضائح والجرائم التي اقترفت بحق الأوقاف.

"عرب 48": نحن نعرف أن الصراع على الأوقاف في يافا كان شديدا، وأن رئيس لجنة سابق للجنة الأمناء، محمد الفنجري، قد لاقى حتفه، ولكن ذلك أصبح جزءا من التاريخ، اليوم ما هو حجم وتعداد الأوقاف التي تديرونها؟

دريعي: الأوقاف التي تم تحريرها وموجودة تحت سيطرة لجنة الوقف الإسلامية في مدينة يافا، تبلغ ما يقارب 67 عقارا هي عبارة عن دكاكين تجارية وبيوت سكنية، بعضها تم تأجيره بالمفتاحية وبعضها بإيجار حر وبعضها مقتحمة من قبل متسللين، فالفترة السابقة الممتدة على مدى 72 عاما، تم التعامل خلالها مع أملاك الوقف كأملاك سائبة، حيث يمكن اقتحامها والتسلل إليها والتلاعب بعقود إيجارها وغير ذلك، ونحن اليوم أمامنا الكثير من العمل لترتيب هذه القضايا وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.

"عرب 48": هل ما زال الوقف الإسلامي يخضع لسلطة ما يسمى "القيم على أملاك الغائبين"؟

دريعي: نعم، فالضرر الذي أحدثته إسرائيل لأوقافنا لا يقتصر فقط على مصادرتها بادعاء أنها "أملاك غائبين" وحرماننا من عائداتها ومن ثم التلاعب وبيع قسم كبير منها، بل في أنها حولتها لدى مصادرتها لشركة "عميدار" التي أسكنت في عقاراتها سكان يهود وغير يهود كمستأجرين محميين، وعندما تم استرداد هذا الوقف من "عميدار" استردوه مع المستأجرين.

لقد كان يفترض أن يغطي ما سمي بـ"قانون أملاك الغائبين - لجان أمناء"، الذي سن عام 1951، فترة انتقالية قصيرة، يتم خلالها نقل الوقف إلى جسم إسلامي حر لإدارته، على غرار هيئة إسلامية عليا أو غيرها، لأنه لا يفترض أن يكون بملكية الدولة، بل تحت سلطة جسم إسلامي.

لكن هذا لوضع لم يتغير على مدى 72 عاما، وجرى إحباط كل محاولات نواب الكنيست العرب تعديل هذا القانون منذ السبعينيات والثمانينيات ونقل الوقف إلى جسم إسلامي، وظل الوضع على ما هو عليه إلى اليوم، إذ أن من يعين أعضاء لجنة الأمناء هو وزير المالية، باعتبار الوقف شأنا ماليا.

"عرب 48": من الواضح أن معركة تحرير الوقف الإسلامي هي معركة أكبر من قضية مقبرة الإسعاف وانتزاع تعيين لجنة الوقف في يافا من أيدي الوزارة المعنية..

دريعي: على مستوى يافا نحن نسعى للكشف عن سائر الأوقاف وتحريرها والإشراف على إدارتها واستغلال ريعها لصالح أهالي يافا، ونحن نستعين لهذا الغرض برجال قانون للحصول على معلومات تمكننا من المطالبة قانونيا باسترجاعها لحصيلة الوقف، بمعنى أن هناك بيوتا ومبان بإدارة "عميدار" يجب أن تعود إلى الوقف، وقد بدأنا في تحديد بعض هذه العقارات بهدف استرجاعها.

أما على الصعيد العام، فهناك مبادرات طيبة أيضا في حيفا وعكا وغيرها من المدن الفلسطينية ويفترض أن يكون هناك تحرك قطري لتجديد معركة تغيير القانون ونقل الوقف إلى جسم إسلامي مستقل.


*محمد دريعي: محامي وكاتب عدل ومصلح من مدينة يافا، حاصل على شهادة ماجستير في القانون من جامعة تل أبيب. عمل مساعد قاضي في المحكمة المركزية في تل أبيب بين عامي 2003-2005، وشغل عضوية الهيئة الإسلامية المنتخبة في يافا والناطق الرسمي باسمها بين عامي 2014-2020، وترأسها في الفترة 2017-2020، وهو رئيس لجنة الوقف الإسلامي في تل أبيب - يافا منذ مطلع العام الحالي.

التعليقات